معركة ذي قار معارك إسلامية
26 pages
Arabic

Vous pourrez modifier la taille du texte de cet ouvrage

Découvre YouScribe en t'inscrivant gratuitement

Je m'inscris

معركة ذي قار معارك إسلامية , livre ebook

-

Découvre YouScribe en t'inscrivant gratuitement

Je m'inscris
Obtenez un accès à la bibliothèque pour le consulter en ligne
En savoir plus
26 pages
Arabic

Vous pourrez modifier la taille du texte de cet ouvrage

Obtenez un accès à la bibliothèque pour le consulter en ligne
En savoir plus

Description

يوم ذي قار أول يوم تهزم به العرب العجم وذكر الأصفهاني في كتابه الأغاني أنه حدث في زمن النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وقع فيه القتال بين العرب والفرس في العراق وانتصر فيه العرب. وكان سببه أن كسرى أبرويز غضب على النعمان بن المنذر ملك الحيرة، وقد أوغر صدره عليه زيد بن عدي العباديّ لأنه قتل أباه عدي بن زيد، فلجأ النعمان إلى هانئ بن مسعود الشيباني فاستودعه أهله وماله وسلاحه، ثم عاد فاستسلم لكسرى، فسجنه ثم قتله. وأرسل كسرى إلى هانئ بن مسعود يطلب إليه تسليمه وديعة النعمان، فأبى هانئ دفعها إليه دفعاً للمذمة، فغضب كسرى على بني شيبان وعزم على استئصالهم، فجهّز لذلك جيشاً ضخماً من الأساورة الفرس يقودهم الهامرز و جلابزين، ومن قبائل العرب الموالية له، من تغلب والنمر بن قاسط وقضاعة وإياد، وولى قيادة هذه القبائل إياس بن قبيصة الطائي، وبعث معهم كتيبتيه الشهباء والدوسر. فلما بلغ النبأ بني شيبان استجاروا بقبائل بكر بن وائل، فوافتهم طوائف منهم، واستشاروا في أمرهم حنظلة بن سيّار العجلي، واستقر رأيهم على البروز إلى بطحاء ذي قار، وهو ماء لبكر بن وائل قريب من موضع الكوفة.

Sujets

Informations

Publié par
Date de parution 01 janvier 2018
Nombre de lectures 1
EAN13 978977148920X
Langue Arabic

Informations légales : prix de location à la page 0,0246€. Cette information est donnée uniquement à titre indicatif conformément à la législation en vigueur.

Extrait

معركة ذي قار
سلسلة معارك إسلامية
الجزء الرابع




إعداد وتحرير: رأفت علام

مكتبة المشرق الإلكترونية

يحظر طبع أو تصوير أو تخزين أي جزء من هذا الكتاب بأية وسيلة من وسائل تسجيل البيانات إلا بإذن كتابي صريح من الناشر.

صدر في يوليو 2019 عن مكتبة المشرق الإلكترونية – مصر
Table of Contents
معركة ذي قار
الفَصْلُ الأَوَّلُ
الفَصْلُ الثَّانِي
الفَصْلُ الثَّالِثُ
الفَصْلُ الرَّابِعُ
الفَصْلُ الخَامِسُ
الفَصْلُ السَّادِسُ
الفَصْلُ السَّابِعُ
الفَصْلُ الثَّامِنُ
الفَصْلُ التَّاسِعُ
الفَصْلُ العَاشِرُ
الفَصْلُ الحَادِي عَشَرَ
الفَصْلُ الثَّانِي عَشَرَ
الفَصْلُ الأَوَّلُ
- 1 -
أَخَذَتْ يَدُ الرَّبِيعِ النَّاعِمَةُ تَهُزُّ جَوَانِبَ الأَرْضِ الْفَسيحَةِ، وَتُوقِظُهَا مِنْ نَوْمِهَا الْعَمِيقِ، وَتَبْعَثُ النَّسَمَاتِ الرَّقِيقَةَ إِلَى الْخَوَرْنَقِ، قَصْرِ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ، فَتَفُوحُ فِي جَوَانِبِهِ رَائِحَةُ نَبَاتِ الْخُزَامَى وَالْعَرَارِ الهَابِطَةُ مِنْ صَحْرَاءِ الْعَرَبِ، وَتَلْتَقِي فِيهِ بِعَبِيرِ الأَزْهَارِ الْمُقْبِلِ مِنْ سَوَادِ العِرَاقِ، حَيْثُ يَقُومُ ذلِكَ القَصْرُ الْكَبِيرُ، مُتَربِّعًا عَلَى حَافَةِ تِلْكَ الصَّحْرَاءِ، يُطِلُّ عَلَيْهَا مِنَ الْغَرْبِ، كَمَا يُطِلُّ مِنَ الشَّرْقِ عَلَى سَوَادِ الْعِراقِ.
وَقَدِ اسْتَعَدَّ النُّعْمَانُ لِلذَّهَابِ إِلَى الْمَدَائِنِ، عَاصِمَةِ بِلاَدِ الْفُرسِ، وَمَقَرِّ كِسْرَى مَلِكِ تِلْكَ الْبِلاَدِ، لِيَحْتَفِلَ مَعَ أَهْلِ فَارِسَ بِعِيدِ النَّيْروزِ، الَّذِي يُقِيمُونَهُ كُلَّ عَامٍ فِي مِثْلِ هذِهِ الأيَّامِ، وَيَفْتَتِحُونَ بِهِ سَنَتَهُمُ الْمَجُوسِيَّةَ؛ لأَنَّهُمْ مَجُوسٌ يَعْبُدُونَ النَّارَ، وَيُقِيمُونَ لَهَا الْمَعَابِدَ الْفَخْمَةَ، الَّتِي تَشْتَعِلُ فِيهَا وَلاَ تَنْطَفئُ أَبَدًا، وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّهَا الإِلهُ الْقَادِرُ، الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ، وَأَرْسَى الْجِبَالَ، وَأَجْرَى الأَنْهَارَ.
أَعَدَّ النُّعْمَانُ الْهَدَايَا الْفَاخِرةَ الَّتِي سَيُقَدِّمُهَا إِلَى الْمَلِكِ، فَقَدْ كَانَ يَحْكُمُ لَهُ إِمَارَةَ الْحِيرَةِ الَّتِي أُقِيمَ فِيهَا ذلِكَ الْقَصْرُ الْعَظِيمُ، كَوَاحِدٍ مِنَ الأُمَرَاءِ الَّذِينَ يَحْكُمُونَ لَهُ الْبِلاَدَ.
وَبَعْدَمَا اخْتَارَ الوَفْدَ الَّذِي سَيُرافقُهُ، وَدَّعَ أَهْلَهُ وَأصْحَابَهُ، وَقَالَ كُلٌّ مِنْهُم مَا أَحَبَّ أَنْ يَقُولَ، مِنْ رَقِيقِ الْكَلامِ وحُلْوِ الأَمَانِيِّ، ولَمَّا وَدَّعَ ابْنَتَهُ هِنْدَ زَادَتْ قَائِلَةً:
- وَقَاكَ الله شَرَّ الْفُرْسِ يَا مَلِكَ الْعَرَبِ، وَكَفَاكَ مَكْرَهُمْ وَحُمْقَهُمْ، وأَعَادَكَ إِلَيْنَا سَالِمًا غَانِمًا.
فَسَأَلهَا فِي عَجَبٍ عَنْ سَبَبِ هَذا الدُّعَاءِ، فَأَجَابَتْ وَهِىَ تُطِيلُ النَّظَرَ إِلَيْهِ قائلةً: أُحِسُّ بِشَيْءٍ فِي صَدْرِي، وَلَعَلَّهُ بَعْضُ مَا فِي قَلْبِي مِنْ مَوَاقِفِ الْفُرْسِ الْعَجِيبَةِ مَعَ الْعَرَبِ فِي تَارِيخِهِم الطَّوِيلِ.
فَقَبَّلَهَا فِي خَدَّيْهَا وَهُوَ يَقُولُ ضَاحِكًا: إِنَّهُ حَنِينٌ يَا هِنْدُ، وَسَأَعُودُ مُسْرِعًا لأَحْتَفِلَ هُنَا بِعِيد الرَّبِيع، كَمَا نَحْتَفِلُ بِهِ كُلَّ عَامٍ، وَأُقَابِلُ فِيهِ وُفُودَ الْعَرَبِ الَّتِي تَستَعِدُّ لِلْحُضُورِ إِلَيْنَا، وَالاشْتِرَاكِ فِي مِهْرَجَانِنَا الْكَبِير، وسَوْفَ تُرَطِّبُ تِلْكَ الوفُودُ قَلْبَكِ بِحَماسَتِهَا، وَشَجَاعَتِهَا، وَإِقْدَامِهَا، وَعِزَّةِ نُفُوسِهَا، وَمَا تُبْدِى مِنَ الْمَهَارَةِ الْعَرَبِيَّةِ فِي الْكَرِّ وَالْفَرِّ، وَالطَّعْنِ، وَالضَّرْبِ وَالنِّزَالِ.
فَلَمَّا أُذِّنَ لِلرَّحِيلِ، انْطَلَقَ الْمَوْكِبُ مُسْرِعًا نَحْوَ الشَّرْقِ، تَهُزُّ خُيُولُهُ الأَرْجَاءَ بِصَهِيلِهَا، وَتَدُقُّ وَجْهَ الأَرْضِ بِحَوَافِرِهَا، مُعْلِنَةً قُوَّتَهَا، واعْتِزَازها بِفُرسَانِهَا. وَدُعَاءُ هِنْدَ يَرِنُّ فِي أُذُنَي النُّعْمَانِ، وَهُوَ يَقُولُ لِنَفْسِهِ سَائِلاً:
- مَاذَا تُرِيدُ هِنْدُ بِمَا قَالَتْ؟! مَا لِقَلْبِي يُحِسُّ بِشَيْءٍ مِنَ الانْقِبَاضِ؟!
مَاذَا يَا تُرَى سَيَجْرِي هُنَاكَ؟!

- 2 -
اسْتقْبَلَت الْمَدَائِنُ وَفْدَ الْعَرَبِ، كَمَا اسْتَقْبَلَتْ سِوَاهُ مِنَ الْوُفُودِ، فَقَدْ جَرَت الْعَادَةُ فِي بِلاَدِ الْفُرْسِ أَنْ تَبْعَثَ إِلَيْهَا الْمَمَالِكُ الأُخْرَى بَعْضَ رِجَالِهَا فِي هذِهِ الأَيَّامِ، لِتُشَارِكَ أَهْلَهَا فَرْحَتَهُمْ بِالْعِيدِ، وَفِي يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الْمِهْرَجَانِ، يَجْلِسُ الْمَلِكُ إِلَيْهِمْ، وَيُحَيِّيهِمْ، وَيُحَادِثُهُمْ، ثُمَّ يَعُودُونَ إِلَى بِلاَدِهِمْ بَعْدَ الْعِيدِ، بِمَا حَمَلُوا مِنْ ثَمِينِ الْهَدَايَا، وَمَا شَاهَدُوا مِنْ عَظَمَةِ تِلْكَ الْبِلاَدِ، الَّتِي يُظْهِرُهَا الْفُرْسُ أَمَامَهُمْ بِمَا يَعْرِضُونَ مِنَ الْجُيُوشِ الضَّخْمَةِ، وَالأَسْلِحَةِ الكَثِيرةِ والأفيالِ المُدَرَّبةِ علَى القِتالِ، وما يقدِّمونَ منْ أَشْهَى الطَّعامِ وَالشَّرَابِ، وَمَا يُظْهِرُونَ مِنَ التَّرْحِيبِ بِالضُّيُوفِ، لِيَعُودُوا إِلَى بِلاَدِهِمْ بالثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ، وَيَنْقُلُوا إِلَى أَهْلِهمْ ما شَاهَدُوا مِنَ الْقُوَّةِ وَالْغِنَى والْجَبَرُوتِ.
كَمَا يُقْبِلُ فِي تِلك الأَيَّامِ أُمَرَاءُ الأَقَاليمِ الْفَارِسِيَّةِ كُلِّهَا، يُقَدِّمُونَ الطَّاعَةَ للْمَلكِ، ويُجَدِّدُونَ عَهْدَهُمْ عَلَى الْوَفَاءِ لَهُ، وَمَعَهُمْ مِنَ الأمْوَالِ مَا استَطَاعُوا جَمْعَهُ مِنَ النَّاسِ، بِرضَاهُمْ أَوْ بغَيْرِ رضَاهُمْ، ويَزُورُونَ مَعْبَدَ النَّارِ الْكَبِيرَ، وَمَعَهُم الْقَرَابِينُ السَّمِينَةُ، وَالتُّحَفُ الْغَاليَةُ، يُقَدِّمُونَهَا إِلَى النَّارِ، لِتَرْضَى عَنْهُمْ، وَلاَ تَكْشِفَ أَخْطَاءَهُمْ وَجَرَائِمَهُمْ كَمَا يَعْتَقِدُونَ، وَيَلْتَمِسونَ الْبَرَكَةَ مِنْ خَدَمِها الَّذِينَ يَسْتَمِدُّونَ مِنْهَا السُّلْطَانَ الْوَاسِعَ، حَامِلِينَ لَهُم الْهَدَايَا الْفَاخِرَةَ وَالأَمْوَالَ الْكَبيرَةَ، لِيُدَافِعُوا عَنْهُمْ عِنْدَ الْمَلِكِ، وَيُطيِّبوا خَاطِرَهُ مِنْ جِهَتِهِمْ إِذَا غَضِبَ عَلَيْهِمْ.
وَلَمْ يَنْسَ النُّعْمَانُ دَوْرَهُ، وَأَعَدَّ مِثْلَ الْوُلاَةِ مَا اسْتَطَاعَ أَنْ يَحْصُلَ عَلَيْهِ مِمَّا فَرَضَهُ ملوكُ الْفرْسِ عَلَى بَعْضِ قَبَائِلِ الْعَرَبِ، يُؤَدُّونَهُ جِزْيَةً كُلَّ عَامٍ، ضَرِيبَةً ثَقِيلَةً عَلَيْهِمْ؛ اتِّقَاءً لِشَرِّهِمْ، وَدَفْعًا لأَذَاهُمْ.
وَقَبْل أَنْ يَجْلِسَ الْمَلِكُ للوفُودِ، هَبَّ ذَاتَ لَيْلَةٍ مِنْ نَوْمِهِ مَذْعُورًا، يَرْتَعِدُ، وَيَصِيحُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ قَائِلاً:
- الصُّقُورُ! الصُّقُورُ! إِلَيَّ بِالْمَوْبَذَانِ كَاهِنِ الْكُهَّانِ! إِلَيَّ بِالْوزِيرِ الْكَبِيرِ!
فَأسْرَعَ الْكَاهِنُ وَالْوَزِيرُ إِلَيْهِ، فَوَجَدَاهُ يَنْتَفِضُ، وَالْعَرَقُ يَنْصَبُّ مِنْ وجْهِهِ وَجَسَدِهِ، كَأَنَّهُ كَانَ يَجْرِي مُسْرِعًا، فِرَارًا مِنْ وَحْشٍ كَاسِرٍ يُلاحِقُهُ وَيَهُمُّ بِالْتِهَامِهِ، فَلَمَّا رَآهُمَا صَاحَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ قَائِلاً فِي خَوْفٍ شَدِيدٍ:
- الصُّقُورُ! الصُّقُورُ!
هَاجِمُوهَا! اقتُلُوهَا! لاَ تُبْقُوا مِنْهَا صَغِيرًا وَلاَ كَبِيرًا!.

- 3 -
تَقَدَّمَ الْوَزِيرُ إِلَى الْمَلِكِ وَسَجَدَ أَمَامَهُ، ثُمَّ اعْتَدَلَ وَقَالَ فِي هُدُوءٍ:
- أَدَامَ اللهُ عِزَّ مَوْلاَيَ الشَّاهِنْشَاهِ، مَلِكِ الْمُلُوكِ وَسُلْطَانِ الأَرْضِ، وَأذْهَبَ عَنْهُ الْحَزَنَ، وَجَعَلَ أَيَّامَهُ كُلَّهَا سُرُورًا وَبهْجَةً.
صُقُورُ مَوْلاَيَ الْكَثِيرَةُ الْمُدَرَّبَةُ عَلَى الصَّيْدِ وَالْقَنْصِ فِي أَمَاكِنِها، هَادِئَةٌ مَبْسُوطةٌ، تَسْتَعِدُّ لِغَدٍ مُشْرِقٍ تُطَارِدُ فِيهِ الْغِزْلاَنَ وَتَقْنِصُهَا، وَلَمْ تَصْنَعْ شَيْئًا تَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الْعِقَابَ!
فَصَرخَ الْمَلِكُ قَائِلاً بصوتٍ مرتعِدٍ:
- لَيْسَتْ تِلْكَ الصُّقُورُ صُقُورَنَا الَّتِي نُحِبُّهَا وَتُحِبُّنَا، بَلْ صُقُورٌ أُخْرَى نَكْرَهُهَا وَتَكْرَهُنَا، مُتَوَحِّشَةٌ مُخِيفَةٌ!
قَالَ الْوَزِيرُ مُهَدِّئًا: وَأَيْنَ تِلْكَ الصُّقُورُ يَا مَوْلاَيَ؛ لِنَقْضِيَ عَلَيْهَا وَلاَ نُبْقِىَ لَهَا أَثَرًا؟! قَالَ الْمَلِكُ، وَقَدْ زَادَ وَجْهُهُ اصْفِرَارًا، وَازْدَادَ صَوْتُهُ رَعْشَةً:
إِنَّهَا صُقُورٌ بَشِعَةُ الْمَنْظَرِ، رَأَيْتُهَا فِي النَّوْمِ، جَاءَتْ مِنْ بِلاَدِ الْعَرَبِ، مِنْ تِلْكَ الصَّحْرَاءِ الَّتِي تُقْلِقُنَا، وَتَطْرُدُ النَّوْمَ مِنْ أَعْيُنِنَا؛ أَقْبَلَتْ جَمَاعَاتٍ جَمَاعَاتٍ، تَصِيحُ بِأَصْوَاتٍ مُزْعِجَةٍ، وَتُرسِلُ مِنْ أَعْيُنِهَا بَرِيقًا مُخِيفًا، عَلَى رُءُوسِهَا العَمَائمُ البيضُ كتلكَ العَمَائِمِ التي يلُفُّهَا العَربُ عَلى رُءُوسِهِمْ، ثُمَّ دَخَلَتْ بِلاَدَنَا مِثْلَ الْجَرَادِ الْمُنْتَشِرِ، وَجَعَلَتْ تُطَارِدُ حَمَائِمَ بَيْضَاءَ تَلْبَسُ التِّيجَانَ فِي رُءُوسِهَا، وَتَضَعُ الأَقْرَاطَ فِي آذَانِهَا، ولم تَزَلْ تطاردُها حتى قَنَصَتها كلَّها، واسْتَولتْ على أرضِها وَانْتَشَرَتْ فِي جَوَانِبِها، وَعَشَّشَتْ بَيْنَ أَغْصَانِهَا، وَبَاضتْ وَأفْرَخَتْ!
ثُمَّ الْتَفَتَ إلَى الْمَوبَذَانِ، وَسَألهُ قَائِلاً فِي لَهْفَةٍ: أَعِنْدَكَ أَيُّهَا الْكَاهِنُ الأَكْبَرُ تَفْسِيرٌ لِهذِهِ الرُّؤْيَا الْمُُخِيفَةِ؟!
كَأَنِّي بِالْعَرَبِ يَغْزُونَ بِلاَدَنَا، وَيَقْتُلُونَ مَنْ يَقِفُ فِي طَرِيقِهِمْ مِنْ أَهْلِهَا، فَالصُّقُورُ كَمَا أَرَى فُرْسَانُهُمْ، وَالْحَمَائِمُ كَمَا أَرَى رِجَالُنَا، فإِنْ كَانَ لَدَيْكَ تَفْسِيرٌ لِهَذَا الْحُلْمِ الْمُفْرِعِ غَيْرُ هذا التَّفْسِيرِ، فَأَسْرِعْ بِهِ إِلَىَّ، وَرَطِّبْ بِهِ قَلْبِي الَّذِي يَكَادُ يَنْفَجِرُ.

- 4 -
أَحْنَى المَوبَذَانُ رَأْسَهُ، وَظَلَّ مُدَّةً نَاظِرًا إِلَى الأَرضِ، يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ، وَيُرْهِفُ سَمْعَهُ، كَأَنَّهُ يُخَاطِبُ النَّارَ، تَقُولُ لَهُ شيئًا، وَيَقُولُ لَهَا شَيْئًا، وَالْمَلكُ يَزْدَادُ انْتِفَاضًا، وَيَنْظُرُ إلَيْهِ مُتَعَجِّلاً.
وَبَعْدَ مُدَّةٍ لَيْسَتْ قَصِيرَةً، رَفَعَ الْمَوبَذَانُ رَأْسَهُ، وَوَجَّهَ بَصَرَهُ إِلَى الْمَلِكِ، وقَالَ في هُدُوءٍ، كَأَنَّهُ وَجَدَ الْحَلَّ الَّذيِ يُرضِي ويُطمئنُ: لا يُزعِجَنَّ مَولايَ هَذا الحلمُ الذي أَقْلَقَهُ، فَكَثِيرًا مَا تَكْذِبُ الأَحْلاَمُ، ولاَ يَتَحَقَّقُ مِنْهَا شَيْءٌ. وَمَا رَأَى مَوْلاَيَ لَيْسَ إَلاَّ أَضْغَاثَ أَحْلاَمٍ مِنْ تِلْكَ الْخَيَالاََتِ الَّتِي تَظْهَرُ لِلنَّائِمِ، ثُمَّ تَزُولُ كَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ.
وَلِمَاذَا يُؤَوِّلُ مولايَ تلك الصقورَ الجارِحَةَ بأنها العربُ، ويؤوِّلُ تِلْكَ الْحَمَائِمَ الْبَيْضَاءَ بِأنَّهَا الْفُرْسُ؟!
أَلاَ تَكُونُ تِلْكَ الصقورُ إنْ صَدقت الرؤيا فُرْسَانَنا وتكونُ تلكَ الحمائمُ أَعْدَاءَنَا، تَحْصُدُهُمْ سُيُوفُ مَوْلاَيَ وسُيوفُ جُنْدِهِ الْبَوَاسِلِ؟!
فَلَمْ يُعجِبِ الْمَلِكَ هذَا الْكَلاَمُ، وَصَرخَ قَائِلاً فِي تَوَجُّعٍ: وَالْعَمَائِمُ الْبَيْضَاءُ أَيُّهَا الْكَاهِنُ؟! وَالأَقْرَاطُ وَالتَِّيجَانُ؟!
الْعَرَبُ هُمُ الَّذِينَ يَلُفُّونَ الْعَمَائِمَ، وَالفُرْسُ هُمُ الَّذِينَ يَلْبَسُونَ التِّيجَانَ، وَيَضَعُونَ الأَقْرَاطَ فِي الآذَانِ؛ وَقَدْ أَتَتْ تِلْكَ الصُّقُورُ إِلَى بِلاَدِنَا، وَلَمْ تَذْهَبْ إ

  • Univers Univers
  • Ebooks Ebooks
  • Livres audio Livres audio
  • Presse Presse
  • Podcasts Podcasts
  • BD BD
  • Documents Documents